sábado, 3 de julio de 2010

عبور. حسن بقالي. لخميسات. المغرب



عبور

حسن بقالي
لخميسات. المغرب
المرتبة الثالثة في "جائزة معبر المضيق 2009. فئة العربية



خلال زيارته الأخيرة للمدينة المغربية النائمة على كف الأطلسي، كان "خمنيث كوراثون" يحمل مجموعة صور فوتوغرافية ترشح بنفس السؤال الموارب كباب بيت 




عتيق:
- ماذا بإمكانك أن تقول للبحر؟
 عشرات الصور.. تتغير ألوانها وأحجامها وزوايا التقاطها، لكنها تهجس بنفس المواجهة الأزلية بين الإنسان والمصير/الطبيعة/ المجهول/ معترك الحياة..وتنتهي على حافة السؤال.
وعوض الأجوبة المحتملة وجد لدينا سؤالا آخر اجتهدنا في طرحه على الركح، من خلال عرض مسرحي بملامح تجريبية.
- عنوانه "الفراشات"
- الفراشات؟ طيب..يسرني أن ترفرف فراشاتكم على الضفة الأخرى، ضمن مهرجان المسرح التجريبي الذي تنظمه بلدتي الأندلسية.
 نحن الآن على ظهر باخرة في عرض المتوسط، بين طنجة وطريفة..نحمل فراشاتنا وأسئلتنا وقلقنا، وعلى مقربة حشد من النساء في طريقهن إلى جني التوت في الضيعات الزراعية لإقليم "ويلبا".
الطقس ربيعي معتدل
ونسائم بحرية منعشة تندغم في مجال الإدراك باصطفاق أجنحة بيضاء و ذكرى طازجة لصخورعلى الشاطئ تتطلع إلى رحيلنا بفضول وترقب، فيما بدت الضفتان كما لو أن إحداهما تميل على الأخرى في عتاب متكتم، وتؤجل إلى حين الرغبة في احتضانها.
 أصدقائي في الفرقة منشغلون بأسئلة العرض وجماليات التلقي وحوار الثقافات ، في حين بدا نثار الكلمات الذي يطرق مداركنا من لغط نساء الجوار أكثر ارتباطا بالهموم الأساسية للحياة.
نساء من قعر خابية المجتمع
مطلقات أرامل متزوجات وعازبات..
أميات في أغلبهن، وموزعات بين الحنين إلى الأولاد والآباء العجزة، وبين الأمل في تحسين الظروف الكابسة على حياة شبيهة بالموت.

"أنا السعدية
من قرية منسية..أربعة أبناء وزوج عاطل لا نفع فيه ولا رجاء.
بالصدفة سمعت عن جني التوت في إسبانيا فعضضت على الفرصة بالنواجذ.وأنا في طريقي إلى هناك..مستعدة لملء ثلاثين، أربعين صندوقا أو أكثر كل يوم..أجني حتى يتقوس ظهري وتدمع عيناي.وفي ليل الضيعة والغربة والحنين القاسي، أنثر أشجاني في حِجْر الأخريات، ونحلم جميعا بغد أقل مرارة.
سأنزح من قريتي إلى أقرب مدينة وأبني على الهامش دار صفيح..أرشو القائد إذا اقتضى الأمر، وأدخل أبنائي إلى المدرسة."

أبناء "زغب الحواصل" متروكون في رعاية جارة أو بقية أهل أو زوج لا  مبالٍ..ينأون لحظة عن استرجاعات الذاكرة، لكنهم مقيمون أبدا في النبض.
تتهادى الباخرة كاللمسة الحانية. وكلما أوغلت في لحم الماء قلت الرغبة في الكلام وساد الترقب أعمق وأثقل وطأة.
لحظة بين زمنين
تتأمل ذاتها في انكسار المرايا وتتطاول مثل سنة كبيسة و..
- ماذا بإمكانك أن تقول للبحر؟
الأزرق الشاسع الرهيب
 المفتوح على ألف بهجة أو خسارة
- ماذا تقول له وأنت تواجهه جالسا على مقعد خشبي على الكورنيش ذات مساء؟
يطرح "خمنيث" السؤال من خلال مراياه ، صوره الفوتوغرافية التي التقطها لأوجه دون ملامح..مؤخرات رؤوس وأقفية لأوجه في مقابلة الأفق الأزرق الغامض، مائلة جهة اليسار أو اليمين وشبيهة بعلامات استفهام مبهمة ولا تستعجل الإجابة.
- ذاك الوجه الذي لا يبين هو وجهك أنت، وجهي أو وجه الآخر إزاء البحر..كلنا نواجهه يوما، نبحث عن جواب أو لقاء مصير مّا.
وعاد إلى بلدته الأندلسية في انتظار زيارتنا ومشاركتنا في المهرجان .

"أنا سمير
ليسانس آداب إسبانية
صاحبت "دون كيشوت" و"لازارو دي تورميس" لفترة من الزمن، قبل أن أعرج على "عرس الدم" وأسكن إلى المسرح.
أومن بقدرة الفن على الفعل الإيجابي في العالم والتقريب بين الشعوب
الفن القلق
الذي لايطمئن إلى صيغة نهائية
ويدفع بقلقه عصاب الساسة ومشعلي الفتن."

يعتمد العرض المسرحي رؤية سينوغرافية تحيل على الخراب والعتمة..وممثلين يجسدون فراشات في زجاجات مغلقة..
كل فراشة في زجاجة..تتطلع إلى الأخرى في حيرة وانعدام ثقة، وترطم بجناحيها الهشين الجسم الشفاف الخادع.
الحوار قليل لكنه غير غير منعدم..
والحركات متشنجة في الغالب ..لكنها تستحيل أحيانا إلى حركات راقصة ورفرفات عاشقة للمدى، تؤازرها التماعات ضوئية كابتسامات الآلهة..
هل تفك الفراشات عقدتها
تتغلب بهشاشتها على صلابة الزجاج والعزلة المقيمة؟
ميناء طريفة على مرمى حجر
يبدو على بعد نصف ميل مثل وعد شهي وغامض،و حركة غير عادية على متن باخرة للحرس المدني الإسباني..
وشوشات قلقة 
وحكايات طفت على سطح الذاكرة عن "باترات" غاصة بمهاجرين سريين يغذون الحلم بالعبور ويفيقون على الكارثة.
لم يكن المشهد مختلفا هذه المرة..
حارسان بين أيديهما جثمان مهاجر سري سادر في الموت وفي الإدانة، شاب في مقتبل العمر بملامح إفريقية لحسها الماء تقريبا.. وضعوه جوار جثامين أخرى انتشلت من قبل ووضعت على الشاطئ كأحلام مجهضة..

"أنا الذي غذى حلم العبور حتى النهاية
وقامر بحياته التي آلت إلى الخسران
هذا ما تحكيه لكم جثتي
لكن ما أدراكم أي موت هي الخسارة
وأية خسارة هي الحياة؟"

كنا واقفين في خشوع أمام الحضور الطاغي لأحلام لونها الموت بالزرقة
نسينا الفراشات وتوت الضيعات وشظف العيش وأحلامنا الصغيرة
صرنا كتلة واحدة صهرتها اللحظة
وبصوت جماعي شبيه باصطفاق أجنحة بيضاء أطلقت من عقالها، رفعنا عقيرتنا بغناء موجع حزين.. غناء شبيه بمرثية آدم الأولى، فيما سؤال "خمنيث" لا يبارح الأفق:
- ماذا بإمكانك أن تقول للبحر؟